فتتهافت الشركات في كافة القطاعات لإعادة رسم أعمالها بما يتناسب مع التكنولوجيا مع محاولتها الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها في الوقت عينه. طبعاً، بقدر ما يسمح به الأمر الواقع. فالأخبارعن استحواذ الآلات على مهام كان البشر يؤدّونها سابقاً هي واحدة من النتائج الأكثر حتمية للتحوّل الرقمي والأكثر إخافة. ففي مسح “المهارات المتغيّرة” (Shifting Skills) الذي أجرته شركة غارتنر Gartner في العام 2018، قال 80% من الموظفين الذين شملهم المسح والذين بلغ عددهم 7 آلاف شخص إنهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة لمسيراتهم المهنية الراهنة والمستقبلية على حد سواء. ومع أن بيئة أعمال كهذه يمكنها أن تؤثر في الناس بطرق مختلفة، فيمكنها أن تولد ركوداً مؤقتاً في المسيرة المهنية، أو نوعاً من الجمود، قد يسبب الانزعاج والقلق لبعض الناس.
يصف علماء مختلفون الجمود في المسيرة المهنية على أنه ظاهرة تحدث عندما تصل المهمات والمسؤوليات والتحديات إلى نهايتها، أو أقلّه “تبدو” وكأنها وصلت إلى نهايتها. ولهذا الجمود تأثير ضارّ على الأداء والاندفاع الفرديّين. لكن مهما كانت أسباب ركودك في العمل، الطريقة الفضلى للقضاء على هذا المسار الانحداري هي شحذ المهارات. ونعني بشحذ المهارات تخطّي مقاربة التعلّم الدائم والعمل على نيل شهادات خاصة بالقطاع لا يمكنها أن تحسّن مسيرتك المهنية فحسب بل أن تدعم مسيرتك في التعليم والتطوير المستمرّين.
بالنسبة للمحاسبين الإداريين، قد تأتي عملية انتقال كهذه بشكل برامج نيل شهادات، على غرار شهادة المحاسب الإداري المعتمد (CMA) الذي يتم تحديثه وتعديله باستمرار للسماح للمحترفين بالبقاء في طليعة هذا القطاع. فعلاوة على المنافع المادية التي يقدمها نيل الشهادة، إذ يمكنها أن تساعد المحترفين على كسب رواتب أعلى بنسبة تفوق 150% مقارنة بالأقران الذين لا يحملون هذه الشهادات، يمكن أن يشكل الشعور المتجدّد بالأمان الوظيفي الذي عبّرت عنه نسبة 74% من المحترفين الذين استجوبهم معهد المحاسبين الإداريين ما تحتاج إليه بالضبط لاستعادة حماسك لمهنتك.
وتبيّن الدراسة ذاتها التي أجراها المعهد أن نسبة 78% من حملة شهادة المحاسب الإداري المعتمد (CMA) قالت إن الشهادة حسّنت من قدرتها على الانتقال بسهولة بين مختلف مجالات الأعمال، مما يخولها تقديم المزيد من القيمة لمنظماتها. فهل من طريقة للقضاء على الركود أفضل من الارتقاء في المراتب وكسب سمعة محترف مندفع قادر على إضافة القيمة في مجالات مختلفة من الأعمال؟
في وقت يبحث فيه المحترفون عن معنى أعمق لمسيرتهم المهنية، لم يعد الارتقاء في مناصب الشركة محور التركيز الوحيد. لا شك طبعاً في أنه أمر ضروري، بيد أن إنشاء مسيرة مهنية مثمرة يتم فيها تقديم المساهمة الفردية يمكنه في بعض الحالات أن يشكل فارقاً هو الأهم. قد يكون التحوّل الرقمي سبباً لركودك لكنه ليس معطية جديدة. فالأتمتة مصدر خوف فيما يخص استمرارية الوظائف منذ القرن الثامن عشر، وقد يكون هذا الخوف أمراً إيجابياً. لأن مصدره دائم التحول. فهو يؤثر فينا لكنه في الوقت عينه يحثّنا على التغيير والتطور. فإذا استفدنا من الجمود في المسيرة المهنية ونظرنا إليه على أنه نداء للتطوّر يمكن القول إن هذا الجمود يسدينا خدمة. لكن يبقى السؤال: ما الذي ننوي فعله في هذا الشأن؟