جائحة كوفيد – 19 ودورها المحتمل في تفاقم مخاوف الشباب العربي

2 مارس 2021

لا يخفى على أحد أن جائحة كوفيد-19 أدت على مدار العام الماضي إلى الكشف عن العديد من التصدعات ونقاط الضعف في المجتمعات والمؤسسات والاقتصادات على مستوى العالم.

وبينما شهد العالم العربي الذي يبلغ تعداد سكانه 436 مليون نسمة، معدلات عدوى ووفيات أقل من المتوسط العالمي في البداية، إلا أن انخفاض مستويات الدخل، وضعف أنظمة الرعاية الصحية، والرعاية الأولية غير الكافية في العديد من البلدان، أدت إلى خسائر كبيرة انعكست في نهاية المطاف على ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات. ومن التداعيات الأخرى التي أفرزتها الجائحة، تسليط المزيد من الضوء على التحديات القديمة التي عجزت هذه الدول عن حلّها لعقود.

وجاء استطلاع “نبض كوفيد – 19 للشباب العربي” الذي شمل 17 دولة في المنطقة خلال النصف الأخير من عام 2020، ليشير بوضوح إلى هذه التصدعات الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها العنف والنزاعات العسكرية؛ وانعدام المساواة؛ والبطالة؛ والفقر؛ وضعف شبكات الأمان الاجتماعي؛ والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان؛ وضعف استجابة المؤسسات وأنظمة الحوكمة؛ والتحديات التي تواجه النماذج الاقتصادية في بلدان عدّة عجزت عن تلبية طموحات الجميع. وتختلف هذه النتائج بالتأكيد من دولة لأخرى، فمثلاً، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نهجاً صارماً لاحتواء الوباء، وطبقت تدابير عدة شملت التباعد الاجتماعي وحظر التجول ، فضلاً عن اتخاذ قرار بالحد من أعداد المشاركين في فريضة الحج. وكما أظهر الاستطلاع، يرجح للجائحة أن تترك تداعيات عميقة وطويلة الأمد، متوافقاً بذلك مع تقارير أخرى منها التقرير الصادر عن الأمم المتحدة.

ويشير استطلاع نبض كوفيد-19 للشباب العربي إلى أن واحداً من كل خمسة شباب عرب قد فكّر بمغادرة بلده؛ وأن ثلث الشباب العربي يرجحون الهجرة عن بلدانهم نتيجة جائحة كوفيد-19 بحثاً عن فرص عمل أفضل، مما سيؤدي إلى تراجع أعداد المواهب في أوطانهم. وفي أعقاب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كوفيد-19 في المنطقة، ارتفعت أيضاً معدلات التوجه نحو فرص أفضل. ففي واقع الأمر، قال المشاركون في الاستطلاع أنهم خططوا لمغادرة بلدانهم بشكل دائم دون أية خطط للعودة، وشهدت معدلات الرغبة في الهجرة نسباً مرتفعة في كل من لبنان وليبيا واليمن والعراق، بينما كانت الأدنى في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المثير للاهتمام أن قلة الفرص الاقتصادية كانت الدافع الأساسي وراء تفكير هؤلاء الشباب بمغادرة بلادهم.

وبينما يعد الحصول على وظائف أفضل وبرواتب جيدة من أهم المسائل التي تشغل الشباب العربي، أدت الجائحة أيضاً إلى بروز مشكلة أخرى تؤثر على رفاهية الشباب العربي في المنطقة، وهي ارتفاع الديون الشخصية والمنزلية التي شهدت ارتفاعاً لافتاً خلال العام 2020 مقارنة بالأعوام السابقة. فقد أظهرت النتائج أن الشباب في سوريا والأردن وفلسطين والعراق يعانون من أعلى معدلات الارتفاع في الديون الشخصية، أولها قروض الطلاب والسيارات ثم الفواتير الطبية والرهن العقاري.

ورغم أن شريحة الشباب هي الأعلى بين سكان المنطقة، لكن ذلك لا ينعكس بالضرورة على شكل عائدات في النمو الاقتصادي والازدهار. ونظراً لتشابه الثقافات في المنطقة، فإن التباين الهائل في الأوضاع الاقتصادية بين الدول يأتي ليزيد هذه الأوضاع تعقيداً. وهذا ما يدركه صناع القرار في المنطقة جيداً، وكثيرة هي الأحاديث حول الحاجة إلى إجراءات عاجلة لمعالجة تفشي البطالة بين شباب المنطقة لتصل إلى 30%، النسبة الأعلى على مستوى العالم. وفي أعقاب الجائحة التي أدت إلى تفاقم الأمور، حان الوقت لتنفيذ المزيج المناسب من السياسات، ومراجعة أنظمة التعليم العالي، وطرح المزيد من الإجراءات الاقتصادية التي من شأنها المساهمة في تطوير بيئة حاضنة لتسريع وتيرة توفير فرص العمل، وبالتالي دفع عجلة النمو الاقتصادي.

ففي نظر الشباب العربي، تتمحور الفرصة حول النظر ما وراء الاحتياجات الطارئة، للتركيز أيضاً على صقل قدراتهم وتزويدهم بمهارات جديدة. وتزامناً مع سعيها للخروج من أزمة الجائحة، ستتعرض الشركات والمؤسسات في المنطقة وخارجها لضغوطات متزايدة لتحسين الأداء، الأمر الذي يستدعي فرق عمل قادرة على المساهمة في تعزيز تلك الميزة التنافسية. ولهذا، يعد التعليم المهني واحداً من السبل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف. وعلى سبيل المثال، يقود معهد المحاسبين الإداريين الجهود الرامية إلى ردم الفجوة في مهارات المالية والمحاسبة، ويعمل إلى جانب الهيئات الحكومية والمؤسسات التعليمية للمساعدة في إحداث تغيير يعود بنتائج مجدية. ويضم المعهد أكثر من 125 ألف عضوٍ متخصص بالشؤون المالية والمحاسبة حول العالم من الراغبين بصقل مهاراتهم والحصول على شهادة المحاسب الإداري المعتمد (CMA)، أعلى شهادة للمختصين في الشؤون المالية والمحاسبة على مستوى العالم. ويعتبر البرنامج واحداً من عدة برامج دولية تساعد الطلاب والمهنيين الشباب على تحسين فرصهم في نيل وظائف أفضل عبر تزويدهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل اليوم ومستقبلاً. ويمكن لهذه الشهادة أن تكون بمثابة فرصة متميزة لإطلاق إمكاناتهم وسط عالم متغير، أصبحت الهجرة فيه نافذة إلى عالم جديد يزخر بالفرص المهنية الأفضل