كيف نستعد لسوق العمل في مرحلة ما بعد الجائحة

30 يناير 2021 | هنادي خليفة

هنادي خليفة، مديرة العمليات في معهد المحاسبين الإداريين في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند

ألقت جائحة “كوفيد-19” المستمرة، بظلالها على مختلف مناحي حياتنا الشخصية والمهنية ونشرت حالة من انعدام اليقين والأمن على مختلف المستويات. ولسوء الحظ، خلّفت حالة عدم الاستقرار الاقتصادي آثاراً كبيرة وتسببت في فقدان الكثير من الوظائف، ونشرت مشاعر القلق والتوتر بين العديد من الموظفين خشية فقدان عملهم، الأمر الذي جعل انعدام اليقين والاستقرار أمراً حتمياً يهيمن على المناخ الاقتصادي العام. 

وبما أن التعافي الاقتصادي سيحتاج المزيد من الوقت, ثمّة العديد من الأساليب التي تمكننا من الاستفادة من هذه المرحلة والقيام بأفضل ما يمكننا استعداداً لسوق عمل ما بعد الجائحة. وفي هذا الإطار، يطرح خبراء التوظيف في “بيت دوت كوم” و”معهد المحاسبين الإداريين” ست طرق لتحقيق أقصى فائدة ممكنة من هذه الفترة التي يكتنفها الغموض.

 

النصيحة الأولى: توسيع الآفاق

إذا كنتم تبحثون عن فرصة عمل جديدة، تجنبوا حصر نطاق بحثكم ضمن القطاع الذي اعتدتم عليه والخبرات التي اكتسبتموها على مر السنين. فالمهارات والمعارف التي تعلمتموها في وظائفكم الحالية والسابقة يمكن تطبيقها على وظائف وقطاعات أخرى. فالآن وبعد أن أصبح لديكم بعض الوقت للتفكير، ينبغي عليكم سؤال أنفسكم عما إذا كنتم تستمتعون عملياً بالعمل في اختصاصكم الحالي وكيف يمكنكم أخذ خطوة تقربكم من بلوغ وظيفة أحلامكم.

لم يكن الوقت مثالياً أكثر من اليوم لمعرفة كيف يمكن لمهاراتكم الحالية أن تؤهلكم بنجاح لخوض تجربة مهنية في مجالات أخرى. وعلى سبيل المثال، يمكن للمتخصصين في مجالات التمويل والمحاسبة أن يتحولوا إلى متمرّسين لامعين في علوم البيانات، لاسيما وأن لديهم مهارات فنية متميزة في هذا المجال؛ وتتطلب طبيعة عملها أصلاً جمع المعلومات وفقاً لآلية تلخص تفاصيل المعاملات والأرقام الأخرى. فالعمل مع التحليلات الوصفية والتحليلات التنبؤية والتحليلات الإلزامية هو أمر أكثر سهولة بالنسبة لهم، كونهم يمتلكون بالفعل المهارات الكمية المطلوبة. كما أنهم أكثر قدرة على إيجاد حلول فعالة للمشكلات الكبيرة، وهم الأفضل في رؤية السياق بمنظور أوسع وفهم مقتضيات الأعمال.

ويمكنكم التحدث مع قسم الموارد البشرية في الشركة التي تعملون فيها والسؤال عن حاجتها لأشخاص في مناصب معينة والاستفسار حول إمكانية الانتقال إلى أقسام أخرى داخلياً أو البحث عن المجالات والقطاعات الأخرى التي تحتاج إلى أشخاص يمتلكون مثل مهاراتكم.

 

النصيحة الثانية: تحقيق الاستفادة القصوى من مرحلة التوقف عن العمل

سواء كنتم تبحثون بنشاط عن وظيفة أو كنتم مهتمين بالتطور ضمن وظيفتكم الحالية، هنالك العديد من الدورات التدريبية والشهادات المختلفة التي يمكنكم الالتحاق بها خلال هذا الوقت لصقل مهاراتكم وتعزيز أهميتكم في المنصب الذي تشغلونه. فتخصيص بضع ساعات في الأسبوع لبعض الدورات التدريبية أو الشهادات عبر الإنترنت لن يؤدي إلى صقل مهاراتكم فحسب، بل سيطور أيضاً سيرتكم الذاتية ويمنحكم مزايا إضافية.

وفي حال كنتم من المتخصصين في مجالات التمويل والمحاسبة، يمكنكم التفكير في الالتحاق بدورة تدريبية حول التحليل والتجسيد المرئي للبيانات. أما أولئك الذين يتطلعون إلى إجراء تغيير مهني فسيجدون العديد من الشهادات التي يمكنهم الالتحاق بها، لاسيما شهادة المحاسب الإداري المعتمد (CMA) التي توفر فرصة للعمل في مجالات التمويل والمحاسبة المتنوعة. وتشمل بعض الوظائف الأكثر شيوعاً المتاحة للمحاسبين الإداريين، على سبيل المثال لا الحصر، مناصب الرئيس التنفيذي، والمدير المالي التنفيذي، أو مدير التكنولوجيا التنفيذي أو المراقب المالي أو المدير المالي وغيرها. وبعد الحصول على شهادة المحاسب الإداري المعتمد، ستتمكنون من الاختيار من بين مجموعة متنوعة من المسارات الوظيفية المعنية بالعمليات واتخاذ القرارات.

 

النصيحة الثالثة: العلاقات الاجتماعية والمهنية

قد تعتقدون أن تعزيز علاقاتكم الاجتماعية والمهنية أمر صعب المنال في ظل تفشي الجائحة العالمية والقيود التي فرضتها على التجمعات ومعايير التباعد الاجتماعي الصارمة، إلا أننا لحسن الحظ نعيش في عصر التقنيات الرقمية المفيدة، والتي تتيح لنا تعزيز علاقاتنا والتعرف على أشخاص جدد عبر الأدوات التقنية التعاونية وفعاليات التواصل الافتراضية.

لذلك، احرصوا على التواصل مع زملائكم القدامى وبناء علاقات جديدة في مجالكم أو المجال الذي تختارونه. ولا تترددوا في الانضمام إلى مجموعات الأعمال عبر الإنترنت لتتمكنوا من توسيع دائرة علاقاتكم وتعزيز تواصلكم، بما يثمر في منحكم فرصاً جديدة وعلاقات اجتماعية ومهنية متينة.

وتقدم العديد من هذه المجموعات برامج توجيهية لتطوير وتعزيز المهارات القيادية لأعضائها، وتساعدهم في التطور الوظيفي. كما تتخلل بعض البرامج ندوات إلكترونية مجانية وبرامج للتعريف بأطر القيادة وبرامج التوجيه والتدريب وغير ذلك. فوجود التوجيه والإرشاد المناسبين خلال هذه الفترة سيقدم الكثير من التشجيع وسيفتح أبواباً جديدة لاغتنام الفرص المهنية المثمرة.

 

النصيحة الرابعة: تحقيق الاستفادة القصوى من الفعاليات والمؤتمرات عبر الإنترنت 

مع تحول انعقاد العديد من  الفعاليات والمؤتمرات إلى الإنترنت خلال فترة الجائحة، بات الانضمام إليها أمراً أكثر سهولة ويمكن القيام به من أي مكان. ويقدم معهد المحاسبين الإداريين شهرياً مجموعة متنوعة من الفعاليات المباشرة التي تغطي طيفاً واسعاً من المواضيع الهامة وتقدم أحدث المعلومات وتساهم في توسيع الآفاق المعرفية وترتقي بالأداء المهني. 

وسيمكنكم الانضمام إلى مثل هذه المؤتمرات من التفاعل مع المحتوى المطروح، وتدوين النقاط الرئيسية، واستكشاف سبل تطبيقها على مسؤولياتكم المهنية الحالية والمستقبلية على حد سواء. كما تعتبر الفعاليات والمؤتمرات الإلكترونية وسيلة رائعة للاستماع إلى زملائكم حول أحدث توجهات القطاع. وقد تقام خلال الفعاليات الأصغر نسبياً مجموعات حوارية تمكنكم من التواصل مع رواد القطاع، والتعلم منهم وتأسيس علاقات طويلة معهم.

 

النصيحة الخامسة: تأسيس هوية شخصية عبر الإنترنت

يعتبر تأسيس الهوية الشخصية الواضحة عبر الإنترنت أمراً في غاية الأهمية، لاسيما وأن الكثير منا يعمل عن بُعد، ويمكننا التواصل فقط بشكل افتراضي. لذلك يجب الحرص على منح الوقت اللازم لبناء تلك الهوية عبر الإنترنت من خلال إنشاء صفحة شخصية على موقع “لينكد إن” وتحديثها دورياً، وإنشاء حسابات متكاملة على مواقع التوظيف الأخرى مثل موقع Bayt.com، والحرص على ملئها بخبراتكم الوظيفية والشهادات التي حصلتم عليها مؤخراً، والتفاعل في محادثات إلكترونية، والتركيز على أفكاركم لإظهار ريادتكم الفكرية في ميادين عملكم. وقد يكون لديكم معلومات هامة لربما يجدها الآخرون مفيدة وتؤسس لبداية رائعة لحوار بنّاء مع المتخصصين والزملاء ضمن مجال عملكم.

 

النصيحة السادسة: اجعلوا مكالمات الفيديو صديقكم المفضل

أخيراً، وبسبب إجراءات التباعد الاجتماعي، تم تعليق الاجتماعات الشخصية، وارتفعت وتيرة مقابلات العمل عن بُعد. ونظراً لأننا لا نستطيع الجزم حول مدة استمرار هذا التباعد، فإن هذا الوقت مثالي لإتقان مهارات المقابلات الافتراضية.

عندما يتعلق الأمر بمقابلات العمل عن طريق مكالمات الفيديو، تأكدوا من أن تبدو مساحة عملكم مهنية وتزويدها بإضاءة جيدة وخلفية هادئة. ولا تنسوا إجراء اختبار مسبق للتأكد من جاهزية اتصال الإنترنت وسرعته. كما يمكنكم التفكير في خوض تدريب بإجراء مقابلة مع أصدقائكم أو أحد أفراد عائلتكم لتجنب أي مفاجآت تقنية في يوم المقابلة، أو للشعور بمزيد من الراحة عند التحدث أمام الكاميرا. وتأكدوا من امتلاك خطة احتياطية جاهزة واحرصوا على طلب رقم للتواصل في حال واجهتم أي مشاكل غير متوقعة في يوم المقابلة.

ولا تنسوا أن تضعوا بالاعتبار الاحتفاظ بسيرتكم الذاتية أو مشاريعكم السابقة في المتناول في حال احتجتم إلى الرجوع إليها أو مشاركة مادة ما على الشاشة.

فترك انطباع جيد عند إجراء مقابلة ينطوي على ذات الأهمية التي اعتدنا عليها في المقابلات التقليدية السابقة، ولعله يكون أحد العوامل الأساسية التي ترشحكم لتولي الوظيفة الجديدة.

سيكون سوق الوظائف مختلفاً تماماً بعد الجائحة، لذلك يتعين علينا التكيف مع التغييرات الجديدة والاستعداد لمواجهة وضع انعدام اليقين الذي يشهده العالم اليوم. حظاً طيباً!